صلاح ادريس
عدد المساهمات : 18 نقاط : 29 الانتساب : 20/01/2010 الموقع : كاتب- ورئيس مجموعة جرين بارادايز ــ
| موضوع: عثمان بن مظعزن .. راهب الليل وفارس النهار . الخميس فبراير 18, 2010 5:45 pm | |
| عثمان بن مظعون .. راهب الليل ، وفارس النهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رقم الموضوع :- ( 31 ) التاريــــــــخ :- الجمعة 19 فبراير 2010 أسم الموضوع :- عثمان بن مظعون .. راهب الليل وفارس النهار أسم الكاتب :- صــلاح إدريـــس التصنيـــــف :- دينـــى المصــــــــدر :- * كتاب تاريخ الرسول - للطبرى . * كتاب لسان الميزان – لإبن حجر العسقلانى * الشبكة العنكبوتية . ***************************************** أهلى وناسى وأصدقائى الأعزاء .. على الخير دائما نلتقى بمشيئة الله .. وعلى حبه .. وتلفحنا روائح مسك عطرة ..تجمعنا فى كل جمعة مباركة .. لنتعطر بها .. وننهل من قدوتها .. ونتأمل فى مثاليتها فى الأسلام .. وإخلاصها لله ..ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم .. والصاخب الجليل فى هذه الجمعة المباركة هو : عثمان بن مظعون ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن كعب الجمحي،ويكنى (أبو السائب.)... من سادة المهاجرين.. وكان عثمان بن مظعون أحد من حرم الخمر في الجاهلية ..وقال: لاأشرب شرابا يذهب عقلي.. ويضحك بي من هو أدنى مني ويحملني على ألا أفرق بين أمرأتى وكريمتى .. فلماحرمت الخمر أتى وهو بالعوالي.. فقيل له: يا عثمان. قد حرمت الخمر. فقال: تبا لها قدكان بصري فيها ثاقب.. انطلق عثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وعبدالرحمن بن عوف وأبو سلمة بن عبد الأسد، وأبو عبيدة بن الجراح، حتى أتوا رسول اللهصلى الله عليه وسلم ، فعَرَض عليهم الإسلام، وأنبأهم بشرائعه، فأسلموا جميعاً فيساعةٍ واحدةٍ، وذلك قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بن أبى الأرقم ، وقبل أنيدعو فيها وهاجر الهجرة الأولى إلى الحبشة في السنة الخامسة للبعث. ************************************ عندما نرتب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق سبقهمالزمني الى الاسلام نجد أن الرقم الرابع عشر ..صاحبه هو عثمان بنمظعون..و ابن مظعون ، كان أول المهاجرين وفاة بالمدينة.. كما كان أول المسلمين دفنا بالبقيع..وأن هذا الصحابي الجليلالذي تطالع الآن سيرته كان راهبا عظيما.. لا من رهبان الصوامع، بل من رهبان الحياة...!!أجل.. كانت الحياة بكل جيشانها، ومسؤولياتها، وفضائلها هيصومعته..وكانت رهبانيته عملا دائبا في سبيل الحق، وتفانيا مثابرا في سبيلالخير والصلاح... عندما كان الاسلام يتسرّب ضوئه الباكر االنديّ من قلب الرسولصلى الله عليه عليه وسلم.. ومن كلماته ، عليه الصلاة والسلام ، التي يلقيها في بعضالأسماع سرا وخفية.. كان عثمان بن مظعون هناك، واحدا من القلة التي سارعت الىالله ..والتفت حول رسوله..ولقد نزل به من الأذى والضر، ما كان ينزل يومئذبالمؤمنين الصابرين الصامدين.. وحين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذهالقلة المؤمنة المضطهدة بالعافية... آمرا ايّاها بالهجرة الى الحبشة. مؤثرا أن يبقىفي مواجهة الأذى وحده، كان عثمان بن مظعون أمير الفوج الأول من المهاجرين، مصطحبامعه ابنه (السائب) موليّا وجهه شطر بلاد بعيدة عن مكايد عدو الله أبي جهل. وضراوةقريش، وهو عذابها....وكشأن المهاجرينالى الحبشة في كلتا الهجرتين... الأولى والثانية، لم يزدد عثمان بن مظعون رضي اللهعنه الا استمساكا بالاسلام. واعتصاما به.. والحق أن هجرتي الحبشة تمثلانظاهرة فريدة، ومجيدة في قضية الاسلام..فالذين آمنوا بالرسول صلى اللهوصدّقوه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، كانوا قد سئموا الوثنية بكل ضلالاتهاوجهالاتها، وكانوا يحملون فطرة سديدة لم تعد تسيغ عبادة أصنام منحوتة من حجارة أومعجونة من صلصال..!! وحين هاجروا الى الحبشة واجهوا فيها دينا سائدا،ومنظما.. له منائسه وأحباره ورهبانه..وهو، مهما تكن نظرتهم اليه، بعيد عنالوثنية التي ألفوها في بلادهم، وعن عبادة الأصنام بشكلها المعروف وطقوسها التيخلفوها وراء ظهورهم..ولا بدّ أن رجال الكنيسة في الحبشة قد بذلوا جهودالاستمالة هؤلاء المهاجرين لدينهم، واقناعهم بالمسيحية دينا...ومع هذا كلهنرى أولئك المهاجرين يبقون على ولائهم العميق للاسلام ولمحمد صلى الله عليه وسلم.. مترقبين في شوق وقلق، ذلك اليوم القريب الذي يعودون فيه الى بلادهم الحبيبة،ليعبدوا الله وحده، وليأخذوا مكانهم خلف رسولهم العظيم.. في المسجد أيام السلام.. وفي ميدان القتال، اذا اضطرتهم قوى الشرك للقتال.. في الحبشة اذنعاش المهاجرون آمنين مطمئنين.. وعاش معهم عثمان بن مظعون الذي لم ينس في غربتهمكايد ابن عمّه أمية بن خلف، وما ألحقه به وبغيره من أذى وضرّ، فراح يتسلى بهجائهويتوعده قائلا : تريش نبالا لا يواتيك ريشها وتبري نبالا، ريشها لكأجمع وحاربت أقواما مراما أعزة وأهلكت أقواما بهم كنتتزغ ستعلم ان نابتك يوما ملمّة وأسلمك الأوباش ما كنتتصنع وبينما المهاجرون في دار هجرتهميعبدون الله، ويتدارسون ما معهم من القرآن، ويحملون برغم الغربة توهج روح منقطعالنظير.. اذ الأنباء تواتيهم أن قريش أسلمت، وسجدت عند الرسول لله الواحدالقهار.. هنالك حمل المهاجرون أمتعتهم وطاروا الى مكة تسبقهم أشواقهم،ويحدوهم حنينهم.. بيد أنهم ما كادوا يقتربون من مشارفها حتى تبيّنوا كذبالخبر الذي بلغهم عن اسلام قريش.. وساعتئذ سقط في أيديهم، ورأوا أنهم قدعجلوا.. ولكن أنّى يذهبون وهذه مكة على مرمى البصر..!!وقد سمع مشركو مكةبمقدم الصيد الذي طالما ردوه ونصبوا شباكهم لاقتناصه.. ثم ها هى ، تحيّنفرصته، وتأتي به مقاديره..!!كان الجوّار يومئذ تقليدا من تقاليدالعرب ذات القداسة والاجلال، فاذا دخل رجل مستضعف جوار سيّد قرشي، أصبح في حمى منيعلا يهدر له دم، ولا يضطرب منه مأمن...ولم يكن العائدون سواء في القدرة علىالظفر بجوار.. من أجل ذلك ظفر بالجوار منهم قلة، كان من بين أفرادها عثمانبن مظعون الذي دخل في جوار الوليد بن المغيرة..وهكذا دخل مكة آمنا مطمئنا،ومضى يعبر دروبها، ويشهد ندواتها، لا يسام خسفا ولاضيما..ولكن ابن مظعون.. الرجل الذي يصقلهالقرآن، ويربيه محمد صلى الله عليه وسلم، يتلفت حواليه، فيرى اخوانه المسلمين منالفقراء والمستضعفين، الذين لم يجدوا لهم جوارا ولا مجيرا.. يراهم والأذى ينوشهم منكل جانب.. والبغي يطاردهم في كل سبيل.. بينما هو آمن في سربه، بعيد من أذى قومه،فتثور روحه الحرة ، ويجيش وجدانه النبيل، ويتفوق بنفسه على نفسه، ويخرج من داره مصمماعلى أن يخلع جوار الوليد.. وأن يزيح عن كاهله تلك الحماية التي حرمته لذة تحمل الأذىفي سبيل الله، وشرف الشبه باخوانه المسلمين، طلائع الدنيا المؤمنة، وبشائر العالمالذي ستتفجر جوانبه غدا ايمانا، وتوحيدا، ونورا..ولندع شاهد عيانيصف لنا ما حدث: " لما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى اللهعليه وسلم من البلاء. وهو يغدو ويروح في أمان الوليد بن المغيرة.. قال: والله انغدوّي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك، واصحابي وأهل ديني يلقون من البلاءوالأذى ما لايصيبني، لنقص كبير في نفسي..فمشى الى الوليد بن المغيرة فقالله:يا أبا عبد شمس وفت ذمتك. وقد ردت اليك جوارك.. فقالله:لم يا ابن أخي.. لعله آذاك أحد من قومي..؟ قال.. لا. ولكني أرضىبجوار الله، ولا أريد أن أستجير بغيره... فانطلق الى المسجد فاردد عليّجواري علانية ..فانطلقا حتى أتيا المسجد، فقال الوليد: هذاعثمان..قد جاء يردد عليّ جواري..قال عثمان: صدق.. ولقد وجدت بن المغيرة وفيّاكريم الجوار، ولكنني أحببت ألا أستجير بغير الله.. ثم انصرف عثمان.. ولبيدبن ربيعة في مجلس من مجالس قريش ينشدهم، فجلس معهم عثمان فقال لبيد: ألا كلشيء ما خلا الله باطل.. فقال عثمان: صدقت.. قال لبيد: وكل نعيملا محالة زائلقال عثمان: كذبت.. نعيم الجنة لا يزول..فقال لبيد: يامعشر قريش، والله ما كان يؤذي جليسكم.. فمتى حدث هذا فيكم..؟ فقال رجل منالقوم: ان هذا سفيه فارق ديننا.. فلا تجدنّ في نفسك من قوله.. فرد عليهعثمان بن مظعون حتى سري أمرهما. فقام اليه ذلك الرجل فلطم عينه فأصابها، والوليد بنالمغيرة قريب، يرى ما يحدث لعثمان، فقال: أما والله يا بن أخي ان كانت عينك عمّاأصابها لغنيّة، لقد كانت في ذمتى منيعة..فال عثمان: بل والله ان عينيالصحيحة لفقيرة الى مثل ما أصاب أختها في الله.. واني لفي جوار من هو أعز منك وأقدريا أبا عبد شمس..!!فقا له الوليد: هلم يا بن أخي، ا ن شئت فعد الىجواري..قال ابن مظعون: لا...وغادر ابن مظعون هذا المشهد وعينه تضجّبالألم، ولكن روحه تتفجر عافية، وصلابة، وبشرا..ولقد مضى في الطريق الىداره يتغنى بشعره: فان تك عيني في رضا الله نالها يدا ملحدا فيالدين ليس بمهتدي فقد عوّض الرحمن منها ثوابه ومن يرضه الرحمن يا قوميسعد فاني وان قلتم غويّ مضلل لأحيا على دين الرسول محمد أريدبذاك الله، والحق ديننا على رغم من يبغي عليناويعتدي هكذا ضرب عثمان بن مظعون مثلا، هوله أهل، وبه جدير.. وهكذا شهدت الحياة انسانا شامخا يعطّر الوجود بموقفهالفذ هذا..وبكلماته الرائعة الخالدة: " والله ان عيني الصحيحة،لفقيرة الى مثل ما أصاب أختها في الله.. واني لفي جوار من هو أعز منكوأقدر"..!! ولقد ذهب عثمان بن مظعون بعد ردّ جوار الوليد يتلقى من قريشأذاها، وكان بهذا سعيدا جدّ سعيد.. فقد كان ذلك الأذى بمثابة النار التي تنضجالايمان وتصهره وتزكّيه..وهكذا سار مع اخوانه المؤمنين، لا يروعهم زجر.. ولا يصدّهم اثخان..!! ويهاجر عثمان الىالمدينة، حيث لا يؤرّقه أبو جهل هناك، ولا أبو لهب.... ولا أميّة.. ولا عتبة، ولاشيء من هذه الغيلان التي طالما أرّقت ليلهم، وأدمت نهارهم..يذهب الىالمدينة مع أولئك الأصحاب العظام الذين نجحوا بصمودهم وبثباتهم في امتحان تناهتعسرته ومشقته ورهبته، والذين لم يهاجروا الى المدينة ليستريحوا ويكسروا.. بللينطلقوا من بابها الفسيح الرحب الى كل أقطار الأرضحاملين راية الله، مبشرينبكلماته وآياته وهداه..وفي دار الهجرة المنوّرة، يتكشفّ جوهر عثمان بنمظعون وتستبين حقيقته العظيمة الفريدة، فاذا هو العابد، الزاهد، المتبتل،الأوّاب...واذا هو الراهب الجليل، الذكي الذي لا يأوي الى صومعة يعتزل فيهاالحياة..بل يملأ الحياة بعمله، وبجهاده في سبيلالله..أجل..راهب الليل فارس النهار، بل راهب الليل والنهار،وفارسهما معا..ولئن كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا سيّما فيتلك الفترة من حياتهم، كانوا جميعا يحملون روح الزهد والتبتل، فان ابن مظعون كان لهفي هذا المجال طابعه الخاص.. اذ أمعن في زهده وتفانيه امعانا رائعا، أحال حياتهكلها في ليله ونهاره الى صلاة دائمة مضيئة، وتسبيحة طويلة عذبة..!! ********************* وما انذاق حلاوة الاستغراق في العبادة حتى همّ بتقطيع كل الأسباب التي تربط الناس بمناعمالحياة..فمضى لا يلبس الا الملبس الخشن، ولا يأكل الا الطعامالجشب..دخل يوما المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه جلوس، وكانيرتدي لباسا تمزق، فرقّعه بقطعة من فروة.. فرق له قلب الرسول صلى الله عليه وسلم،ودمعت عيون أصحابه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:" كيف أنتم يوم يغدوأحدكم في حلة، ويروح في أخرى.. وتوضع في قصعة. وترفع أخرى.. وسترتم بيوتكم كما تسترالكعب..؟!"..قال الأصحاب:" وددنا أن يكون ذلك يا رسول الله، فنصيبالرخاء والعيش"..فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا:" ان ذلكلكائن.. وأنتم اليوم خير منكم يومئذ"..وكان بديهيا، وابن مظعون يسمع هذا،أن يزداد اقبالا على الشظف وهربا من النعيم..!!بل حتى الرفث الى زوجته نأىعنه وانتهى، لولا أن رسول الله عليه السلام علم عن ذلك فناداه وقالله:" ان لأهلك عليكحقا".. وأحبّه الرسول صلوات الله وسلامهعليه حبّا عظيما..وحين كانت روحه الطاهرة تتهيأ للرحيل ليكون صاحبها أولالمهاجرين وفاة بالمدينة، وأولهم ارتيادا لطريق الجنة، كان الرسول عليه الصلاةوالسلام، هناك الى جواره..ولقد أكبّ على جبينه يقبله، ويعطّره بدموعه التيهطلت من عينيه الودودتين فضمّخت وجه عثمان الذي بدا ساعة الموت في أبهى لحظاتاشراقه وجلاله..وقال الرسول صلى الله عليه وسلم يودّع صاحبهالحبيب:" رحمك الله يا أبا السائب.. خرجت من الدنيا وما أصبت منها، ولاأصابت منك"..ولم ينس الرسول الودودصاحبه بعد موته، بل كان دائم الذكر له، والثناء عليه.. حتى لقد كانت كلماتوداعه عليه السلام لابنته رقيّة، حين فاضت روحها:" الحقي بسلفنا الخيّر،عثمان بن مظعون"..!!! رحمك الله أيها الصاحب الجليل .. وهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم مكانك ومكانتك بالجنة .. حتى أنه وهو يودع إبنته رقية بصفه بالخير الذى ستلقاه .. اللَّهُمَّ اغْفِرْ له ، ولنا ، وَارْحَمْنِا وَاهْدِنِا ، وَعَافِنِا وَارْزُقْنِا ، وَاجْبُرْنِا ، وَارْفَعْنِا. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ. وإنشاء الله نلتقى على الخير دائما .. وإلى الجمعة القادمة .. فأنتظرونى .. بقلــــم صـــلاح إدريـــس | |
|